السبت، 17 يوليو 2010

مشـاهد من " كـابوسي " !!



مشهد1*

رأيتهم في كابوسي يسيرون أفواجا متجهين إلى طريق مقبرة بدون شواهد


***

مشهد2* حاولت إيقافهم إلا إنهم دفعوني ،لا أعلم كيف عاشوا بلا عنوان ليموتوا بلا أسماء

***

مشهد3* صرخت حتى تمزقت حنجرتي إلا أن أيا منهم لم يلتفت لي ..راحت عيناي تلاحقهم إلى نهاية الطريق حيث أفترسهم سواد السماء

***

مشهد4* حالما غابوا توهجت السماء بضوء فضي، بدا لي كصرخة حسرة عليهم .. بعدها بكيت و بكت السماء معي

***

مشهد5* استيقظت فزعة من كابوسي و انا ابسمل و أحوقل لأكتشف بأن جهاز التكيف من فوقي قد عاد لتسريب الميـاه ..

الجمعة، 16 يوليو 2010

{ فـِنجـان القـَهـوةِ الباردْ }



تسارعت خطواتها على الدرج وهي تتبرم، رمت بثقلها على قدميها لتنغرسا بالأرض كوتدي خيمة . قالت: أمي كفي لا أريد النزول! ، لست سلعة حتى تعرضينني على النسوة لو كان لي نصيب لكان منذ زمن الله وحده يعرف المكتوب!

نظرت والدتها لها لوهلة بعدها إستفاقت لتحكم قبضتها على زندها أكثر وتقول : هدى إنني لا استأذنك هيا أنزلي و سلمي على صديقة خالتك هي إمرأة معروفة و يأخذ الناس بأقوالها ولابد إنها إن مدحتكِ سيلتفت الناس لك ويأتي إبن الحلال .. تنهدت هدى بعمق ، متململةً على آخر كلمة "إين الحلال" نعم بالتأكيد هو إبن الحلال الذي لن اكون "بنت حلال" إن لم أحظَ به يا إلهي .."شهقت" حين عاودت والدتها جرها للطابق السفلي قبل أن تكمل شكواها ، كانت تسير مكرهة خلف والدتها ومع إقترابهن نحو آخر الدرج خفت قبضة والدتها علي زندها الذي أحْمر...أحسنت والدتها وضع حجابها الملون وتنحنحت، حاولت هدى الهروب ولكن لا مفر فالزوار على مرأى منها ولا مجال للتراجع،مشت بضع خطوات على إستحياء وهي بحالة تأهب للهرب في أدنى فرصة تسنح لها ، بينما والدتها أمامها تتخايل بمشيتها تباهياً بإبنتها وحُسنها.

-ها.. ما رأيك يا أم هلال هذه إبنتي هدى ، وردة كما ترين ، إنها جامعية وتعمل كمدرسة في مدرسة نموذجية.

- بسم الله ما شاء الله(شددت أم هلال على هذه الكلمة) قمر... قمر تبارك الرحمن

صكت هدى على أسنانها بقوة فهي من النوع الذي لا يروق له هذا النوع من النفاق الاجتماعي لا سيما وأنها تعرف أنها هدى... وليست بقمر !

لمحت وجهيّ خالتها وإبنتها حليمة ،اللتين صارتا ماركةً مسجلة في منزلهم ،اكتفت بالإبتسامة لهما وهز الرأس . ثم توجهت لترحب بأم هلال، التي كانت في نفس اللحظة تمعن النظر في قسمات هدى وتنفث لعابها بوجهها وهي تكرر ( عين الله تحرسك ، حواليكِ ولاعليكِ) ، إستجمعت هدى المسكينة كل قواها لتتجلد وتتحمل تلك الأنهار المتفجرة من فم العجوز.

أخذت النسوة يتبادلن أطراف الحديث ويشربن القهوة ، همز ولمز في أعراض الناس بينما أبحرت هدى في محيطها الخاص بعيدا عن ضوضاء الدنيا، كانت تتأمل السجاد الفارسي تحتها وتمشط حبكات خيوطه الحريرية المجمّعة بإتقان...أخذتها نعومة الصوف المغلف بالحرير إلى بلاد فارس حيث أساطير الحسناوات اللاتي سكنـّها في قديم الزمان و التففن حول السلاطين ، تخيلت نفسها شهرزاد ، جارية مَلـَكية تفتن الملك بجمالها وفطنتها فيتزوجها رغم أنها جارية ، هكذا هي البساطة بعيدا عن عالمها المتعب الذي تنتظر فيه زوجاً قد يأتي و قد لا يأتي..إبتسمت بأسى وهي تسبح في خيالاتها ..قطعت أفكارها أم هلال بصوتها المبحوح الأجش:

-وأنت يا هدى ألا تريدين مني أن اقرأ فنجانك ؟

التفتت هدى ناحية أم هلال ولم ترَ من وجهها شيئا سوى سنها الفضي اللامع وبعض الأسنان الصفراء المتهالكة ، ارتبكت لم تعرف كيف ترد ..

أم هلال: ألم تشربي قهوتك بعد يبدو أنها بردت!

بحثت هدى قليلا أمامها لتنتبه على فنجان القهوة الذي وضعته والدتها منذ فترة كما يبدو ، ارتبكت:

- قد سهوت يا خالة

كشرت أم هلال وهي تهمس: هذا فأل سوء

أحست هدى بلسعة ... قطبت حاجبيها ، وكررت في خاطرها "فأل سوء"

تابعت أم هلال: يجب أن تشربيها حتى ... واستوقفتهــــا حليمة بغنج مصطنع، وهي تمد فنجانها وتقول : ياخالة وماذا عن حظي !؟

أمسكت أم هلال الفنجان وأخذت تقربه وتبعده أكثر من مرة وحدقتي عينيها تتسعان وتضيقان، قالت: هناك حدث سعيد، ولكنه لن يأتي إلا بعد طريق طويل ! تحدثت بذلك كما لو أنها تتلقى الكلام من ملقن.

ضربت حليمة ركبتيها منفعلة بحركة فجائية وأنفاسها تتسارع : أرجوك ما هو الحدث.. ما هو ؟ دققي أكثر ربما يتضح لك الأمر .

أم هلال: يا إلهي عريس !

حليمة بدهشة : عريس !!

وضعت حليمة يدها على كتف أمها التي أيقظت كل حواسها لتركز أكثر في الخير الذي بدأ يتكشف على يد أم هلال .

إبتسمت أم هلال لتكشف من جديد عن أسنانها القذرة بينما أم هدى تنظر لإبنتها بحسرة وتهمس (الدنيا حظوظ للدمائم خاصة ، مطلقة وينتظرها عريس) ،ابتلعت هدى صمتهــــا غير مصدقة غرق أحبتهـــا في دوامة فنجانٍ أسود معلقين مصائرهم على تعرجات من صنع القهوة !!

أم هلال : أووووه ... سيأتيك خيرٌ عظيم بعد طليقك البخيل ، يبدو أنه الأغنى في عائلته ، أو أنه سيرث ميراثا عظيما

أم حليمة : يا حبيبتي يا حليمة

حليمة: الحمدلله الذي عوضني خيرا من بعد زوجي البخيل ، لم أستطع تحمله لأكثر من ستة أشهر

أم هلال: يالله بخيل !! العيشة لا تطاق مع هذا الصنف، ولكن كما أعلم فأنت مطلقة منذ ما يزيد عن الست سنوات لماذا لم تتزوجي ؟ ..

أخذت حليمة نفسا عميقا حتى تنتظم دقات قلبها و تكمل سيناريو مسلسل كذبها المكسيكي بإخراج والدتها والذي اعتادت أن تسرده لكل سائل ..

نهضت هدى بعد أن استدارت دفة الحديث حول حليمة وظروف طلاقهـــا وحماسها للعريس المنتظر في قعر الفنجان : عفوا أستاذنكم ، لدي ّ بعض دفاتر الطلاب تحتاج لتصحيح هذا إضافة لتحضير دروس الغد.

حليمة : طبعا يا مثقفة إذنك معك ، قالتها فَرِحة وهي تحاول الخلاص من هدى ليتسع المجلس لفنجانها وحدها فقط..امتنت لهــا هدى في هدوء، ودت والدة هدى أن تربط ابنتهـــا إلى جانب فنجانها لتشربه قبل أن يبرد وتحظى بشرف الحظ في عيني ّ أم هلال ، إلا أن هدى مشت غير مكترثة وهي تتمتم "صرت مثقفة لأنني معلمة ! مسكينة حليمة لم ترَ أبعد من جدران الثانوية العامة ، تظن كل من دخل الجامعة نابغة .."

تسارعت خطواتها كي تبتعد عن جحيم الحظ في فناجين القهوة الذي يبتسم باستهزاء لأحلامها ، وصلت لآخر درجة من السلم ..إلا أن صدى كلماتٍ موجعةٍ تهادى إلى أذنيها ليجمدها تحت درجة الصفر ..إنه السؤال القاتل!

أم هلال:كم عمر هدى إنها تبدو كبيرة بعض الشئ ؟ ..

أم هدى: كلا.. كلا يا أم هلال هدى تبلغ التاسعة والعشرين

ضحكت حليمة باستفزاز: ألم تدخل الثلاثين بعد!

تلعثمت أم هدى غير أنها إستدركت الوضع : كلا هي من مواليد شهر ديسمبر و هو لم يحل بعد ، لم تكمل الثلاثين بعد ..

أم هلال: تبدو كبيرة ..

حليمة: فعلا

أم هدى(متعمدة): مممممم ... ولكنك أكبر منها

استشاطت حليمة غضبا وردت بسرعة: بأربع سنوات فقط

ام هدى: كلا بل بست سنوات!

ابتسمت حليمة على مضض وهي تبتلع غيرتها ..

في أعلى الدرج وقفت هدى وقد أحست بأضلعها تزداد انكماشاً على قلبها لكيلا يهرب ، تغير مجرى حوار النسوة، ولكن ذلك لم يكن كفيلا لإعادتها للعالم ، ففي تلك للحظات التي مرت كدهر،أحست هدى بعمق جرح والدتها (أم العانس) التي تحاول أن تواري ابنتها عن أعين الفضوليين كما لو كانت عورة ..سمعت كل شيء رغم المسافة البعيدة كانت تنهدات أمها تخترق عقلها ..بإمكانها أن تشتم رائحة الحزن الفائحة من حديث والدتها ..

لم تقف أكثر ..لم تستطع ..ركضت ..وركضت لغرفتها وأغلقت الباب خلفها بقوة استندت عليه وبدأت تبكي لتتبعثر من جديد .. إنها تتحطم ..تتشقق ..ككل مرة حاولت لملمت شتات كرامتها المجروحة التي يتجدد جرحها كل مرة ينتهك فيها الفضوليون عمرهـــا ويحسبونه بالحسرات والمواساة.

هرعت للمرآة نظرت لوجهها والكحل يغطي جفنيها ..تحسست خديها أخذت شفتاها ترتجفان وهي تكرر"لا تجاعيد ..لا تجاعيد "..

هدأ توترها قليلا ، عادت تنظر لنفسها ..جحظت عيناها من جديد... تذكرت كارثة !

أمسكت بشعرها كالمجنونة وهي تمرر أصابعها بعنف في فروة رأسها بدأت تنكشه باحثةً عن شعرتها الرمادية ولكنها ..ليست موجودة ..لازالت مغطاة بالحناء جيدا !! "من المستحيل أن يكونوا رأوها " ..

ابتلعت ريقها وهي تلهث بفزع أُفرغ عليها.. دمعات فرطت منهـــا قسرا مدفوعة بكل عنـــــاء لتكون صورة للعمر الذي يمضي وقطارات النصيب المهرولة بلا عودة وفناجين القهوة المهملة حتى تبرد ويفتر الحظ في انعكاساتها لتصبح لقمة سائغة في مجتمع يحتفظ الجميع بشبابه إلا العانس فهي الوحيدة التي تكبر ويصبح لحسابات عمرهــــا سياط انتظار وعذابات فضول لا ينتهي أمده .

ابتسمت حين تذكرت والدهـــا الذي يعشق القهوة بـــاردة !!.